bann-interne

كلمة رئيسة الحكومة السيّدة نجلاء بودن رمضان في القمّة العالميّة حول "العدالة الاجتماعيّة للجميع" الدورة 111 لمؤتمر العمل الدولي

نشرت في 2023.06.14

بســـــــم الله الـــــــرّحمــــــان الرّحيــــــــــم

فخامة السادة رؤساء الدول والحكومات،

معالي السيد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة،

معالي السيد المدير العام لمنظمة العمل الدولية،

السادة رؤساء وأعضاء الوفود،حضرات السيدات والسادة،

أودّ في مستهل كلمتي أن أعرب لكم عن مدى اعتزازي بالمشاركة في "قمة عالم العمل: عدالة اجتماعية للجميع" التي تنعقد بالتزامن مع الدورة 111 لمؤتمر العمل الدولي والتي تمثل فرصة متميزة للحوار والتشاور بين مختلف الأطراف حول المسائل الحيويّة ذات الاهتمام المشترك.

كما لا يفوتني، بهذه المناسبة، تهنئة السيد "جيلبرت ف. هونغبو" F. Houngbo Gilbert لتقلّده منصب المدير العام (11) الحادي عشر لمنظمة العمل الدولية، وهو أوّل أفريقي يتولى هذا المنصب ستكون له بالتأكيد مساهمة متميزة في تحقيق أهداف المنظمة وتدعيم توجهاتها نظرا إلى مسيرته الحافلة على المستوى العالمي فضلا عن بلاده الطوغو الصديقة.

حضرات السيدات والسادة،

إنّ اختيار "العدالة الاجتماعيّة للجميع" محورا لهذه الدورة خيار صائب يتماشى في مضمونه مع قيمنا الوطنية الراسخة وتمثّلنا لمفهوم العدالة الاجتماعية في عمقه باعتباره قيمة إنسانية كونية تنتصر للإنسان في مواجهة الفقر والتمييز والتهميش والاستغلال وانعدام المساواة.

كما أودّ أنّ أثمن، في هذه المناسبة، سعي منظمة العمل الدولية الدؤوب لتكريس أهداف التنمية المستدامة من خلال جعل العدالة الاجتماعية مسألة ذات أولوية في الاجندة العالمية وذلك ضمن مقاربة شاملة تجعل من الانسان الوسيلة والغاية من كل عملية تنموية.

وتندرج، في هذا السّياق، مبادرة السيد المدير العام لمنظمة العمل الدولية التي تهدف إلى تشكيل تحالف عالمي من أجل العدالة الاجتماعية يرتقي بها الى مرتبة السياسات العالمية. ومن شأن هذا التحالف أن يحفزنا، جميعا، على كسب القدرة على مواجهة التحديات المتعدّدة الّتي يشهدها عالم العمل.

azq.jpg

حضرات السيدات والسادة،

نشارككم بكل اعتزاز فعاليات هذه القمة ونحن نستحضر هتافات الشباب التونسي التي انطلقت ذات 17 ديسمبر 2010 مُطالِبةً بالشغل والحرية والكرامة مُجسدةً مطالب شعبنا في العدالة الاجتماعية التي لا تستقيمُ إلا بمضامين فعلية لمختلف الحريات الفرديّة والجماعيّة.

ولم تكن تلك الشعارات إلا تعبيرا عن تراث مجتمعيّ تونسيّ أصيل حيث قامت الدولة الوطنية منذ سنوات الاستقلال الأولى على أساس الانتصار لقضايا العدالة الاجتماعية وتم حشد الإمكانيات -على ندرتها- واستثمارها في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ومختلف الخدمات التي تبني الانسان -المواطن وتجعله كريما سيدا في بلده بفضل الخدمات التي يؤمّنها المصعد الاجتماعي.

وقد انْبَنى نهجنا الإصلاحي على التأسيس لديمقراطية حقيقية ناجعة واستعادة النبض الحقيقي لثورة 17 ديسمبر المُنادية بالعدالة الاجتماعية، وتوفير أسباب العيش الكريم لمختلف شرائح مجتمعنا التي عانت طويلا من الضيم والتفقير والتهميش وعدم المساواة.

إنّ تونس اليوم مؤمنة بأولوية تحقيق العدالة والكرامة والحرية الإنسانية ومتمسّكة، أكثر من أي وقت مضى، بالمبادئ والحقوق الأساسية للعمل وبتكريسها تشريعا وممارسة تجسيدا لمفهوم مجتمع القانون. وقد جسدت هذا التوجه ضمن دستور 25 جولية 2022 الذي نصّ صراحة على هذه الحقوق والمبادئ، علاوة على الحق في العمل اللائق وفي أجر عادل وفي العلاج وفي التغطية الاجتماعية.

فنحن نؤمن أن العدالة الاجتماعية تعني السعي إلى القضاء على مختلف أسباب الإقصاء والتهميش والتعاطي مع إشكاليات الإدماج ومشاريعه بمقاربة تعالج أسباب الدّاء ولا تكتفي بالتخفيف من أعراضه.

كما نؤمن بأنّ العدالة الاجتماعية تعني كذلك توجيه سياسات عمومية إرادية لمصاحبة الفئات الهشة لتكون شريكا فاعلا في تغيير وضعها الاقتصادي والاجتماعي من خلال برامج التمكين الاقتصادي للمرأة، ومشاريع الشركات الأهلية كفعل مواطني منتج ومساهم في ريادة الاعمال وخلق الثروة.

ونحن نؤمن بأن العدالة الاجتماعية تعني كذلك الإحاطة بفئات الشباب من حملة الشهائد العليا وخريجي مراكز التكوين المهني إناثا وذكورا والذين يعانون ويلات البطالة وتتخطّفهم مخاطر الانحراف والأدلجة الظلامية والهجرة عبر توفير البرامج التي تؤمّن لهم الشغل الكريم، وتضعهم على طريق المبادرة وريادة الأعمال والإسهام في بناء مجتمع المعرفة.

وإنّ العدالة الاجتماعية تتعدى حدود البلد الواحد لتشمل الإنسان المهاجر الباحث عن الرزق والكرامة، لذلك توجهنا على المستوى الوطني إلى ضبط استراتيجية لمعالجة مشكلة الهجرة في احترام كامل لمختلف المواثيق والمعاهدات الدولية، والحيلولة دون انتهاك حقوق المهاجرين وحمايتهم من كل أشكال الاستغلال الاقتصادي والتصدي لمختلف شبكات الاتجار بالأشخاص.

واعتبارا للبعد الدولي لهذه المعضلة الإنسانية دعا سيادة رئيس الجمهورية إلى عقد مؤتمر دولي حول الهجرة بمشاركة مختلف الدول المعنية في شمال المتوسط وجنوبه للخروج بحلول مشتركة وحشد الإمكانيات والجهود لمعالجتها.

كما أنّ إيماننا راسخٌ وعميق بأن العدالة الاجتماعية داخل الدول لا يمكن أن تحقق مقاصدها وأهدافها. كما لا يمكن أن تستمر إلا في ظل العدالة في مفهومها العام على الصعيد الدولي فالتفاوت في التنمية وعدم التوازن في العلاقات الدولية وعدم الاتفاق والالتقاء حول جملة من القيم في صدارتها العدل، كلّها عناصر تُعيق تحقيق ما نصبوا إليه داخل أوطاننا من تحقيق الحياة الكريمة للإنسانية جمعاء.

حضرات السيدات والسادة،

لقد اتخذت الحكومة التونسية العديد من الإجراءات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية بهدف الارتقاء بأوضاع العاملين في القطاعين العام والخاص، أو من خلال تفعيل الاتفاقيات المبرمة بين الأطراف الاجتماعية، بما يُساهم في تنقية المناخ الاجتماعي وتحقيق مُقوّمَاتِ العمل اللائق. كما تم تدعيم منظومة الوقاية من الأخطار المهنية والترفيع في سقف التغطية الاجتماعية لكافة أصناف العمال، باعتبار أنّ التغطية الاجتماعية هي ركيزة أساسية من ركائز تحقيق كرامة الانسان.

ولا يفوتني، في هذا السياق، أن أذكّر بعراقة التجربة التونسية في مجال الحوار الاجتماعي الذي انطلق منذ السنوات الثلاثين من القرن الماضي لِيَصير تقليدا راسخا في وطننا تونس.

حضرات السيدات والسادة،

لا يخفى على أحد دقّة المرحلة الحالية التي تعيشها بلادنا فلا شكّ أنّ هذا الواقع الصعب يدعونا جميعا إلى إعلاء مكانة العمل كقيمة حضارية وردّ الاعتبار للعاملين بالفكر والساعد والقيام بجملة من الإصلاحات العميقة.

وفي هذا الإطار، أعدت الحكومة رؤية استراتيجية تقوم على أولويات أساسيّة وهي تسريع نسق تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الملائمة بهدف ضمان نسق نمو إيجابي ومستدام والمحافظة على التوازنات المالية العمومية من خلال التحكم في عجز الميزانية ونسبة المديونية وتحسين مناخ الأعمال والتمكين الاقتصادي.

وسيتمّ، خلال اليومين القادمين، برعاية سامية من سيادة رئيس الجمهورية، وبدعم وشراكة مع منظمة الأمم المتحدة، إطلاق "صندوق التّشغيل والشّباب" لتمويل مشاريع التّمكين الاقتصادي ودعم ريادة الأعمال ومختلف البرامج الدّاعمة للتّشغيل.

حضرات السيدات والسادة،

لا يفوتني في هذه القمة العالمية ونحن نطرح اشكاليات العدالة أن أذكّر بما يعانيه أشقاؤنا الفلسطينيون من ظلم واضطهاد في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن تصعيد غاشم خلّف العديد من الشهداء أطفالا ونساء وشيوخا. وأدعو، من هذا المنبر، إلى صحوة عالمية إنسانية لمساندة هذا الشعب الباسل والتّأكيد على حقّه غير المشروط في العيش الكريم على أراضيه المغتصبة.

حضرات السيدات والسادة،

أودّ، في ختام كلمتي، أن أجدّد دعم تونس لمبادرة السيد المدير العام للمنظمة من أجل قيام تحالف دولي لعدالة اجتماعية شاملة ومنصفة وعقد مؤتمر اجتماعي تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، سنة 2025، يؤسس لعدالة اجتماعية حقيقة، تتقاسم المجموعة الدولية أعباءها وثمارها وتوفر للأجيال القادمة ظروف العيش الكريم، حتى لا يتخلف أحد عن ركب التنمية.

فالإنسان هو الإنسان مهما كان موطنه، ومصيرنا واحد مهما اختلفت رؤانا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته