كلمة رئيس الحكومة السيد أحمد الحشّاني بمناسبة انطلاق الجلسات العامة المخصصة للنظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024، بمجلس نواب الشعب.

Publié le 11.17.2023

بسم الله الرحمان الرحيم

السيد رئيس مجلس نواب الشعب

السيدات والسادة نواب الشعب

السيدات والسادة زملائي الوزراء

في البداية، أود أن أعبر عن عميق اعتزازي بهذه المصافحة الأولى معكم بمجلسكم الموقر، وفي أول زيارة شخصية لي للبرلمان.

يجمعنا هذا اللقاء اليوم، بمناسبة انطلاق الجلسات العامة لمجلس نواب الشعب لمناقشة مشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024.

وأستغل هذه الفرصة لأعبر عن امتناني لسيادة رئيس الجمهورية على ثقته بتكليفي بمنصب رئيس الحكومة وعن حرصي على أداء مهامي في انسجام كامل مع سيادته حفاظا على وحدة الدولة.

وفي هذا السياق، تلتزم الحكومة بتنفيذ السياسات العامة للدولة طبقا للتوجهات والاختيارات التي يضبطها سيادة رئيس الجمهورية وترسيخا للقيم والمبادئ التي ضبطها دستور 25 جويلية 2022.

كما لا يفوتني أن أتقدم إلى رئيسة الحكومة السابقة السيدة نجلاء بودن بأسمى عبارات الشكر والتقدير على كل مجهوداتها طوال فترة عهدتها.

السيدات والسادة نواب الشعب

إن تونس، كسائر دول المنطقة والعالم، تواجه تحديات جسيمة ناجمة عن تتالي الأزمات والصراعات التي نتج عنها ارتفاع في أسعار المحروقات والمواد الأولية على الصعيد الدولي.

كما كان للتغيرات المناخية والشح المائي تأثير واضح على الأمن الغذائي والمائي للعالم ولتونس.

ولا يخفى عليكم أنه في ظل كل هذه الظروف مرت بلادنا بسنوات من سوء الحوكمة والتصرف وارتفاع المديونية والتأخر في إنجاز الإصلاحات بما عطل الإقلاع الاقتصادي.

ولكن رغم هذا الوضع، فقد أثبتت تونس قدرتها على الصمود بفضل تظافر جهود مؤسسات الدولة والشركاء الاجتماعيين والفاعلين الاقتصاديين والحس الوطني للتونسيين بالإضافة إلى استقرار سياسي توفر منذ جويلية 2021.

mj1

وتبعا لذلك، تواصل الحكومة في مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالتنسيق مع سيادة رئيس الجمهورية في إطار دولة موحدة تسعى إلى استرجاع الثقة في الدولة وزرع ثقافة العمل والتفاؤل وضمان مستقبل واعد للأجيال القادمة.

ونحن على يقين بصواب خياراتنا الوطنية وعازمون على مواصلة هذا المسار من أجل تحقيق تطلعات الشعب التونسي.

ولبلوغ هذا الهدف، اعتمدنا رؤية لتونس 2035 تقوم على منوال تنموي جديد يرتكز على التجديد والإدماج والاستدامة من خلال المحاور الستة التالية:

- تنمية جهوية عادلة وتهيئة ترابية دامجة،

- عدالة اجتماعية أساس التماسك الاجتماعي،

- رأس المال البشري قوام التنمية المستدامة،

- اقتصاد المعرفة محرك الابتكار والتجديد،

- اقتصاد تنافسي ومتنوع داعم للمبادرة الخاصة،

- وأخيرا، اقتصاد أخضر متأقلم مع التغيرات المناخية.

السيد رئيس مجلس نواب الشعب

السيدات والسادة نواب الشعب

لقد حرصنا منذ بداية تحملنا المسؤولية على إيلاء الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية أهمية قصوى وذلك:

- باتخاذ جملة من الإجراءات في القطاع التربوي لضمان عودة مدرسية في أحسن الظروف للتلاميذ والأساتذة،

- التقدم في إنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة وبالخصوص مشاريع الطاقة الشمسية،

- المصادقة على مشروع بطاقة التعريف البيومترية ومشروع جواز السفر البيومتري طبقا للمعايير الدولية في المجال،

- تفعيل اللجنة العليا لتسريع إنجاز المشاريع العمومية والتي قامت بحل الإشكاليات لمجموعة من المشاريع المعطلة في مجالات النقل والصحة والبنية التحتية،

- استكمال التشاور حول مشاريع النصوص المنظمة للإدماج المالي ومجلة الصرف،

- استكمال التشاور حول مراجعة القانون عدد 9 لسنة 1989 المنظم للمساهمات والمنشآت العمومية،

- استكمال التشاور حول مراجعة الفصل 96 من المجلة الجزائية والفصل 411 من المجلة التجارية فيما يتعلق بإصدار شيك بدون رصيد،

- إجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية، وتكريس الإدارة الجيدة بما يرفع من جودة المرافق العمومية وإرساء مبادئ الحوكمة الرشيدة في جميع هياكل الدولة،

- التقدم في إيجاد حلول فيما يخص الإشكاليات الحاصلة في عدد من البنوك العمومية والبنوك ذات المساهمات العمومية،

- التقدم في إيجاد حلول فيما يخص منظومات المنتوجات الغذائية.

السيدات والسادة النواب

يندرج مشروع قانون المالية لسنة 2024 في إطار مواصلة البرنامج الوطني للإصلاحات الرامي إلى الاستعادة التدريجية لتوازنات المالية العمومية بإرساء نظام يكرس العدالة الجبائية ويدعم التصدي للتهرب الجبائي.

كما يهدف المشروع إلى مزيد ترشيد الامتيازات الجبائية بإحكام مراقبتها وتوجيهها للقطاعات الواعدة على غرار الاستثمار في الطاقات البديلة والاقتصاد الأخضر والأزرق والدائري، بالإضافة إلى إجراءات تهدف إلى تنشيط الدورة الاقتصادية واستعادة ثقة المستثمرين.

ويهدف مشروع القانون إلى مواصلة تكريس الدور الاجتماعي للدولة ومزيد الإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل والمحافظة على السلم الاجتماعي وذلك من خلال ضمان توفير المواد والخدمات الأساسية للمواطن علاوة على دعم القطاع الفلاحي والصيد البحري والموارد المائية.

السيدات والسادة نواب الشعب

لقد تمكنت بلادنا في هذه السنة من تحقيق مؤشرات إيجابية على المستوى المالي والاقتصادي حيث تمكنا من:

- الترفيع في احتياطي بلادنا من العملة الصعبة بفضل الموسم السياحي الناجح وبفضل التحويلات البنكية للتونسيين بالخارج بما سمح بتغطية رصيدنا من العملة الصعبة بما يعادل 110 يوم توريد حاليا، علما وأنه كان يعادل 99 يوم في نفس الفترة من السنة الماضية،

- مواصلة سداد ديون تونس الخارجية وهذا ما يجعل منا أوفياء لسمعتنا التاريخية في خلاص ديوننا الخارجية علما وأن هذه الديون قد ثقلتها حكومات سابقة على كاهل الدولة.

- تراجع تدريجي في نسبة التضخم التي بلغت أقصاها في شهر فيفري 2023 بنسبة 10,4 %لتبلغ 8,6% في أكتوبر.

- تحقيق تحسن في الميزان التجاري وذلك من خلال ارتفاع الصادرات بنسبة 7،5 % مقابل تراجع الواردات بنسبة 3،7%.

أما بالنسبة لمؤشر النمو، فبالرغم من تأثير تواصل موجة الجفاف والتقلبات المناخية على الموسم الفلاحي فقد تميز النشاط الاقتصادي بتحسن القيمة المضافة لقطاعات الخدمات والنقل والإعلامية والاتصال.

ومن المتوقع أن تبلغ نسبة النمو لسنة 2023 1,2 % و 3% لسنة 2024.

ومن المؤكد، أننا عازمون على مزيد تحسين هذه المؤشرات من خلال الانطلاق في إصلاح القطاع البنكي خدمة للاستثمار خصوصا لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

وتشارف الحكومة التونسية على استكمال إرساء أسس الإدماج المالي المتمثل في تحسين نفاذ محدودي الدخل للخدمات المالية، وتقريبها من متساكني المناطق الداخلية والمعزولة، ليكون بذلك الإدماج المالي وسيلة مثلى لتحقيق الإدماج الاجتماعي.

ونحن اليوم في الخطوات الأخيرة من إعداد مشاريع نصوص قانونية سيتم المصادقة عليها في مجالس وزارية قريبا.

كما أؤكد أن تونس دولة موحدة وكل هياكلها ومؤسساتها جزء لا يتجزأ منها ولا يمكن لها أن تعمل خارج التوجهات العامة لها.

وينطبق هذا على البنك المركزي باعتباره هيكلا من هياكل الدولة. إلا أنه يتميز ككل البنوك المركزية في العالم بتحديد السياسة النقدية للدولة لكنه مطالب بجعلها متوافقة مع السياسة الاقتصادية للدولة.

السيدات والسادة النواب

يبقى نجاح العمل الحكومي مشروطا بتواصل تعاوننا حكومة وبرلمانا للوصول بتونس إلى بر الأمان.

ولا يخفى عليكم حضرات النواب، أن القول الفصل في نظام ديمقراطي يعود للشعب، فهو الذي اختار رئيس الجمهورية، وانتخب مجلسكم الموقر، وقطع مع ما شهدته تونس، للأسف، في السنوات السابقة من تشويه للديمقراطية.

فالاستحقاقات الانتخابية القادمة، والمتمثلة في انتخاب أعضاء المجالس المحلية في 24 ديسمبر القادم، والتي سينبثق منها المجلس الوطني للجهات والأقاليم من شأنها أن تعزز الديمقراطية على المستوى المحلي.

فتونس دولة الديمقراطية والمؤسسات تحفظ فيها الحريات العامة ولكن هذا لا يعني أن ممارستها مطلقة إذ لا يجب أن تنال من كرامة الأشخاص باعتبار ذلك تدهورا أخلاقيا فضلا على الاعتبارات القانونية.

السيدات والسادة النواب

لا يسعني في لقائنا هذا إلا أن أذكر بما يعانيه أهلنا في فلسطين الشقيقة، وبالتجاوزات الصارخة للقانون الدولي الإنساني التي يمارسها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، بمباركة ممن يعتبرون أنفسهم ديمقراطيات عريقة ومقدمي دروس في حقوق الإنسان.

وأؤكد في هذا الإطار على موقف تونس الراسخ والمبدئي من القضية الفلسطينية، إذ بقيت تونس ثابتة على مساندة القضية الفلسطينية، من خلال الدعم الدبلوماسي والمساعدة الإنسانية. ولا يسعني هنا إلا أن أترحم على جميع شهداء فلسطين.

فتونس كانت ولا تزال، منذ قرون، أرضا لتلاقي الحضارات، يعيش فيها التونسيون على اختلاف دياناتهم جنبا إلى جنب، بسلام.

السيدات والسادة النواب

إن تونس دولة منفتحة على جميع شركائها سواء كانوا دولا أو مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي FMI أو اتحادات دول مثل الاتحاد الأوروبي.

ولكننا لا نقبل خيارات تتعارض مع أولوياتنا الاقتصادية والاجتماعية علما وأن بلادنا قادرة على تحديد حاجياتها وعازمة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية والمستدامة لاسترجاع توازناتها المالية دون المساس بالطبقات الوسطى وضعيفة الدخل حفاظا على السلم الاجتماعي.

السيدات والسادة نواب الشعب

وأغتنم هذه الفرصة لأتقدم بجزيل الشكر لقواتنا الأمنية والعسكرية على مجهوداتها من أجل سلامة وطننا العزيز تونس.

ونحن على يقين، أن تونس بإمكانها تجاوز هذا الظرف الاقتصادي بفضل ما تزخر به من طاقات وكفاءات وشباب خلاق في الداخل والخارج أثبت ولايزال في جميع المحطات التي مرت بها بلادنا على أنه قادر على خلق ديناميكية جديدة، تدفع بالاقتصاد وتحقق النمو على جميع الأصعدة.

وختاما، أتوجه بأخلص عبارات الشكر إلى السيد رئيس مجلس نواب الشعب وإلى السيدات والسادة النواب على حسن الاستقبال متمنيا لكم كل التوفيق.

والسلام عليكم

تحيا تونس